التداعي هنا قَويٌّ، فمن سهولة دخول ملكوت السموات إلى صعوبة دخول ملكوت السموات. قوة المقابلة على التباين شديدة ومخيفة. والقديس مرقس يعطي للكنيسة مناهج للحياة من عمق تقليد الكنيسة الأُولى التي بناها المسيح بنفسه ووضع أساسها بتعاليمه، هذا "كاتشزم" لاهوتي بالدرجة الأُولى، لم يدخل مناهج الفلاسفة ومعلِّمي اللاهوت العظام لأنه موبِّخ لضمائرهم ولا يتناسب مع معيشتهم، ففضَّلوا أن يجعلوا المناهج تبحث في المجردات ولا تنزل إلى الواقع لئلاَّ تصاب في صميم ما تُعلِّم به. القديس مرقس شجاع لأنه باع كل شيء وتبع المسيح فوضع مباركة الأولاد على أساس دخول ملكوت الله، واستدار على الأغنياء يصف استحالة دخولهم الملكوت كاستحالة دخول جمل من ثقب إبرة. الأولى قامة طبيعية وضعها الله كأساس، والثانية قامة بناها الإنسان واستخدم في بنائها كل الحيل والمحاولات، وكل ما يلزمها من طرق مشروعة وغير مشروعة، وعلَّى ثم علَّى حتى لا يكاد الناس يرون قمم أمجاده ومدخراته، فيأتي المسيح ويقول له لابد من الدخول من الباب الضيق، يلزمك أن تبيع كل أموالك! وأن تضغط مالك حتى تمر من خرم الإبرة، التي هي منطقة العبور من العالم إلى الملكوت.
يُحكى أن ثعلباً دخل خلسة من خرم ضيق يكاد لا تدخل فيه قبضة اليد إلى كرم فسيح مملوء بكل ما لذَّ وطاب، فأخذ الثعلب يجول بنظره يميناً ويساراً
ويلعن أيام شقائه، وبدأ يأكل كل ما لذَّ وطاب، فامتلأت بطنه حتى لا مزيد، وإذ بصاحب الكرم قد حضر وبدأ يلاحقه فلمَّا حاول الخروج مما دخل منه استعصى عليه الأمر جداً ولكن حياته صارت رهن الخروج، فاختفى في مكان مظلم وصام عن الأكل والشرب حتى كادت تخرج روحه، وذهب إلى الخرم وضغط بطنه حتى الآخِر فعَبَرَ، ففلت الثعلب الذكي من موت محقق. والمسيح هنا في هذه المقابلة مع الرجل الغني يغبط الثعلب الذكي: "يعوزك شيء واحد - (لا مفر منه) - اذهب بع كل مالك وأعطِ الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعالَ اتبعني حاملاً الصليب". ولكن حماقة الثعلب تغلَّب عليها ذكاؤه، أمَّا حماقة الإنسان فيزيدها ذكاؤه!! ذهب الغني حزيناً لأن أمواله كانت كثيرة وفضَّل أن يموت في بستان مباهجه من أن يخرج إلى جنة الله.عجبي على أبناء هذا العالم الذين اشتروا هلاكهم بذكائهم وبهمَّتهم العالية وقوة إرادتهم وعزيمتهم وسهرهم الليالي، بنوا سدًّا منيعاً يمنعهم من الخروج المحمود، بل وحتى من رؤية ما وراء السد من الحياة في الملكوت.
إن دخول جمل من خرم إبرة كان في الحقيقة أكبر تهويل سمعه إنسان، ويكاد الإنسان أن يضحك من تصوُّر حدوث هذا. ولكن المسيح قصده قصداً لنضحك على أنفسنا وعلى ما أصابنا من خبل، أن نجعل خروجنا من هذا العالم بهذه الاستحالة المستحيلة.
أمَّا مستحيل المستحيل عند الناس فهو ليس كذلك عند الله، فقد يمكن أن يرسل الله روح ندم على هذه الجهالات فيقوم الإنسان حالاً ويبيع جبال أمواله وذهبه مع الفضة ويعطي هنا وهناك حتى لا يبقى له ما يقيته، فهكذا تتلاشى كل ضخامة نفسه ومالها، ويعبر بسلام خرم الإبرة إذ يكون قد أصبح لا شيء. ولكن أن يعملها الإنسان بذكائه فهذا هو المستحيل الثالث أو الرابع، فالله وحده هو الذي يقود الجاهل إلى ملكوته.
17:10و18 "وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ إِلَى الطَّرِيقِ، رَكَضَ وَاحِدٌ وَجَثَا لَهُ وَسَأَلَهُ: أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ".
لا يربط هذه القصة بسابقتها أي مناسبة من جهة المكان أو الزمان، ولكن الرباط قوي بين طفل يُحسب المثل الأعلى لدخول ملكوت الله، وبين غني ذي أموال كثيرة يستحيل أمامه الدخول إلى ملكوت الله. إذن، فالقديس مرقس نجح في إعطاء درسٍ نموذجي عن ملكوت الله من حيث سهولة دخوله واستحالة دخوله.
وهنا أمامنا إنسان كامل من جميع ما يُطلب من الإنسان اليهودي، فهو مؤدَّب ويحترم المعلمين، وكما سنرى حَفَظَ الناموس كله منذ حداثته. أمَّا كونه ذا أموال كثيرة ففي اليهودية هذا يُعتبر نجاحاً ليهوديته وتوفيقاً من الله ومجالاً كبيراً لعمل الخير والصلاح.
والمسيح يرفض لقب الصلاح من الغَنيِّ، ليس لأنه يطلب الاعتراف بأنه هو الله، والغني يأبَى أن يعترف بذلك. فإن اعترف، فالمسيح مستعد أن يقبل منه هذا اللقب. هذا الشرح قال به جميع الآباء. ولكن الحقيقة البسيطة الهادئة هي أن المسيح رفض هذا اللقب لأنه لا يصلح لمعلِّم ولكن يصلح لله فقط، ولهذا رفضه المسيح لأنه بحسب نطق الغني فالمسيح في نظره لم يزد عن كونه معلِّماً.
"ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية":
واضح أن هذا الغني الذي حفظ الناموس يعرف جيداً أن هناك حياة أبدية يرثها الذين أكملوا الناموس، فهو يسأل عمَّا يعمله أكثر من حفظ الناموس ليرث الحياة الأبدية. إلى هنا لا نجد غباراً على هذه الشخصية اليهودية التي تسعى نحو الحياة الأبدية. وهو حينما جثا أمام المعلِّم أعلن جهاراً الطاعة الكاملة والخضوع لكل ما يشير به المعلِّم، ودعاه صالحاً توقيراً منه لمعلِّمه منتظراً المشورة لِمَا يعمله بعد أن أكمل الناموس، وكان أمله أن يدلَّه على عمل يُكمِّل الناموس باستخدام ثروته، ولا مانع إذا كان يأخذ منها المعلِّم شيئاً نظير مشورته. فابتدره المسيح بأن رفض لنفسه لقب الصلاح كمعلِّم، فالصلاح لله وحده وليس للمعلِّمين.
19:10و20 "أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. لاَ تَسْلُبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي".
رد المسيح الهادئ الذي يتناسب مع عقلية هذا الغني هو أن الله أظهر إرادته كيف يرث الإنسان الحياة الأبدية، وقد وضع الوصايا لجميع الناس لكي ينفِّذوها لكي يدخلوا الحياة. وقد وضعها القديس متى بوضوح هكذا: "إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا" (مت 17:19). فلما تمادى الغني في كونه يريد أن يعرف الوصايا التي يلزم حفظها لدخول الحياة وسأل: "أيةَ الوصايا؟" (مت 18:19)، ابتدأ المسيح يقول له هذه الوصايا. فأجاب الغني: "هذه كلها حفظتها منذ حداثتي. فماذا يعوزني بعد؟" (مت 20:19). هنا الغني يطلب الكمال الذي فوق الناموس، ومعروف أنه ليس بعد الناموس من كمال وتكميل إلاَّ المسيح: "جئت لأكمِّل".
21:10 "فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ".
هذه أول مرَّة في الأناجيل الثلاثة يُصرَّح أن المسيح أحب إنساناً، وحينما يقول الإنجيل إنه أحبه فيعني أنه أحبه، شاب غني يحفظ الناموس باهتمام منذ صباه ويذهب وراء المعلمين يسأل باهتمام ماذا أعمل بعد حفظي الناموس حتى أرث الحياة، هذا نموذج فريد لا يمكن أن نجد في كلامه أو سلوكه أي خطأ. فإن كان حفظه للناموس لم يبلِّغه الحياة فهذه ليست مسئوليته بل مسئولية معلِّمي إسرائيل الذين يحفِّظون الناس الوصايا بالفم ولا يستطيعون أن يقودوهم إلى العمل بها، لأنهم هم لا يعملون! فكيف يغيب على هذا الغني أنه بعد أن بحث عن الطريق لم يعثر على الطريق؟ فما ذنبه؟ هنا محبة المسيح للفتى الغني هي محبته لإسرائيل نفسها: "لمَّا كان إسرائيل غلاماً أحببته" (هو 1:11). هذا الفتى الغني الذي حفظ الوصايا منذ حداثته صوَّر للمسيح إسرائيل لمَّا كان غلاماً وأحبَّه!!
وأخفق الفتى فيما أخفقت فيه إسرائيل كلها، لقد سحرها مالها وغناها ونسيت إلهها وعبدت كل ما عداه، ولكن إسرائيل جاءها المسيح يطلب ودَّها فرفضته، وذبحته، وهذا الغني جاء يطلب ودّ الله، ولكنه كان قد اقتنى مالاً كثيراً فحجزه عمَّن أحبَّه. وربما تكون هذه أخطر الدروس التي ألقاها علينا القديس مرقس في أصحاحاته الأخيرة هذه: كيف أن الغِنى منع شاباً أحبَّه المسيح وطلبه ليتبعه فتعثَّر في غناه وخسر المحبة والحياة.
"يعوزك شيء واحد":
لم يقل المسيح هذا من نفسه، بل في إنجيل القديس متى يسأل الغني: "فماذا يعوزني بعد" (مت 20:19)؟ فجاء رد المسيح: "يعوزك شيء واحد". هذه شهادة من المسيح لهذا الغني المحبوب أنه أكمل كل ما كان عليه أن يعمله حسب ما وضعه عليه الناموس، فلم يبقَ عليه شيء يعمله في محيط الناموس وحياة اليهودي الذي يسعى نحو الحياة الأبدية. أمَّا "إن أردت أن تكون كاملاً" (مت 21:19) حسب القديس متى، بمعنى إن أردت أن تكمِّل الناموس والوصايا وتخرج من الطوق اليهودي ومن تعليم المعلمين الذين لا يعلِّمون، لأنهم يعلِّمون ما لا يعملون، فافعل ما أقوله:
"اذهب بع كل ما لك وأعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء":
عملية تحويل بديعة وناجحة ومربحة بالدرجة الأُولى، تحويل مدخراتك من بنك إسرائيل إلى بنك الأرصدة المرصودة لحساب الحياة الأبدية ومقرّه السماء، حيث لا ينقب سارقٌ ولا يفسد سوس بأرباح مركَّبة.
~~~ المسيح هنا يقدِّم المشورة الناجحة للغني الساعي لميراث ملكوت الله، والمسيح لا يقدِّمها من فراغ بل يقول وهو الضامن لما يقول، بل يقول وفي قوله أمر: "اذهب بـِعْ"، وأمر يسوع يخرج مدعَّماً بقوة على التنفيذ، فمهما كان الأمر صعباً وشبه مستحيل ففي أمر المسيح ضمان التنفيذ والنجاح، لأنه لم يعد قولاً عادياً، بل أمراً يتحمَّل المسيح شخصياً لا نجاحه فقط بل ويتحمَّل أيضاً كل مسئولية تنشأ أثناء التنفيذ وبعد التنفيذ، لأنه لم يصبح أمراً عادياً بل رهاناً على مصداقية المسيح! فكل مَنْ سمع وآمن وأطاع ونفَّذ يتحقَّق من مصداقية المسيح، ويرى ويعاين مجده: "إن آمنتِ ترين مجد الله." (يو 40:11)
"وتعال اتبعني حاملاً الصليب":
وإن هو حقـًّا باع وألقى بنفسه على رجاء أمر المسيح، يحمله المسيح ويضعه على الطريق! وإذ يكون قد تحرَّر من حمله الثقيل يستطيع أن يسير ويتبع المسيح. والذي باع كل ما له لم يَعُدْ له ما يستحق أن ينظر وراءه، ففي الحال يرى السماء مفتوحة، ويأتي إليه مَنْ يضع علامة العبور على كتفه.
22:10 "فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِيناً، لأَنَّه كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ".
وإلى هنا يكون القديس مرقس قد بلغ منتهى غرضه من الدرس: "لأن محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذ ابتغاه قوم ضلُّوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة. وأمَّا أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا ..." (1تي 6: 10و11). لقد سحر المال ذلك الغني فقيَّمه بأكثر من الحياة الأبدية التي جاء يطلبها ودلَّه عليها المسيح! لأنه لمَّا وازن بين المال والملكوت زيَّن له العدو عظمة الغِنَى في هذا الدهر، فانطفأت جذوة الحياة الأبدية من قلبه فاغتمَّ ومضى حزيناً على أشواق ذهبت ولن تعود. وهذا هو الغم الذي اشتراه بأمواله، وهذا هو الحزن الذي ورَّثه له غناه!
23:10-25 "فَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ! فَتَحَيَّرَ التَّلاَمِيذُ مِنْ كَلاَمِهِ. فَأَجَابَ يَسُوعُ أَيْضاً وَقَالَ لَهُمْ: يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ! مُرُورُ جَمَلٍ مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!".
هنا القديس مرقس ينقل عن شاهد عيان دقيق الملاحظة يستطيع أن يقرأ الحركات والسكنات ويحوِّلها إلى لغة وأوصاف. فالمسيح هنا ينظر حوله ليستطلع مدى تأثـُّر التلاميذ بالدرس العملي الذي ألقاه عليهم على مستوى وسيلة الإيضاح. فالشاب الغني كاد يبكي على حال غناه إذ جعله المسيح يقف موقفاً حاسماً من نفسه: المال أم الملكوت؟ فاختار المال ومضى مغموماً حزيناً!! وكأن المسيح يقول لهم بنظراته: أسمعتم ورأيتم كيف وقف المال عثرة كؤود في طريق الملكوت؟ وبعدها قال حُكْمه الإلهي: "ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله".
تحيُّر التلاميذ هو بسبب أن هذا الغني ليس هو وحده الغني في إسرائيل، فإسرائيل كلها أغنياء! فالحُكْم هنا حُكْم يقضي على الأمة. كانت هذه الحقيقة ماثلة أمام نظر المسيح، ولكن لكي يهوِّن عليهم الأمر وضع الإنسان الغني في وضع الإنسان المتكل على غناه. والمسيح في الحقيقة لم يغيِّر شيئاً في أمر الغني والملكوت، فالإنسان الغني كيف لا يتكل على أمواله، فالاستثناء هنا لا ينقذ الغني من سطوة غناه. والدليل على ذلك أن المسيح استرسل في الحديث دون تغيير النبرة وقال قولته التي جعلت دخول الغني ملكوت الله أعسر من دخول جمل من ثقب إبرة.
26:10 "فَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟".
كلام المسيح لا يخضع لمنطق العالم، والخلاص أيضاً لا يخضع لمنطق أبناء هذا الدهر، ولكن باستطاعة الله أن يُخلِّص الغني ويُخلِّص كل إنسان إن سمع الغني صوت دعوة الله، لأنه سيقوم سريعاً ويبيع كل شيء ويتبع المسيح. وكل إنسان يتعذَّر خلاصه إن هو أراد أن يخلِّص نفسه، ولكن إن سلَّم حياته للمسيح خَلُصَ: "آمِن بالرب يسوع فتخلُص أنت وأهل بيتك" (أع 31:16). التلاميذ لا يزالون يعيشون بين منطق إسرائيل وواقع الفكر الجديد.
27:10 "فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ".
الموضوع بالأساس يتعلَّق بملكوت الله، والغني جاء في الطريق ليتحقَّق له وللتلاميذ أن ملكوت الله إذا وُزِنَ مع كل أموال العالم فأموال العالم تُحتقر احتقاراً (نش 7:8)، طالِب المال هو طالِب العالم، وطالِب العالم لا يطلب الملكوت، لأن ملكوت الله هو ما فوق العالم وما بعد العالم. الخلاص الذي يطلبه التلاميذ هو خلاص من العالم وأمواله وغناه، فكيف يطلب الملكوت مَنْ يطلب العالم وغناه؟ والخلاص ليس في يد إنسان بل في يد الله، فلا نستطيع نحن أن ندبِّر الخلاص لأنفسنا. والخلاص هو باستطاعة الله وحده، لذلك من الخطأ بل والخطية أن نسأل مَنْ يستطيع أن يخلُص؟ لأنه لا يستطيع الإنسان أن يخلِّص نفسه، هذا باستطاعة الله وحده خلواً من غِنَى أو فقر. شيء واحد تعلَّمناه هنا من درس هذا الغني أنه إن لم يَبـِع الإنسان كل ماله ويعطي الفقراء ويتبع المسيح حاملاً صليبه، فعسير عليه أن يخلص! أمَّا الاستثناء الوحيد للغِنَى - الذي يبحث عنه الأغنياء - لكي يخلصوا فهو أن لا يجعلوا المال غناهم؛ بل الربَّ وحِفْظَ وصاياه.
الأب متى المسكين
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أثبت وجودك لا تقرأ وترحل